تُعتبر قيم المواساة والتعاون والتكافل من القيم الاجتماعية العظيمة والسائدة في كلّ المجتمعات البشرية على اختلافها، غير أن المجتمع الإسلامي يمتاز عن المجتمعات الأخرى في كونه يتمثّل هذه القيم ويتبنّاها، ويمارسها ديانةً وقربةً إلى الله تعالى، وعملاً بالنصوص الآمرة بالتكافل والتعاون والتعاضد، والقيام بحقّ الأخوّة الإسلامية طلباً للثواب الجزيل المترتّب على ذلك.
والتّأمين التكافلي لا يعدو أن يكون تطبيقاً عصرياً لمفهوم التّكافل الذي اعتنى الإسلام بتقريره في نفوس المسلمين، وهذا ظاهر في نصوص الشّريعة بوضوح من خلال الدعوة العامة للمسلمين للتعاون في مجالات البر والتقوى؛ كما في قوله جل وعلا: ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم العدوان) (سورة المائدة: آية 2)، وقوله: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) (سورة التوبة: آية 71).
وإذا كان التكافل أحد النتائج الرئيسة للاجتماع الإنساني في وحدة شعورية؛ فإنه يكون بذلك مشمولاً بجميع النصوص الشرعية المقررة والداعية للترابط بين أفراد المجتمع المسلم والتلاحم فيما بينهم والتي تجعل ذلك أحد مكونات البقاء للأمة الإسلامية ودون ذلك فلا استمرارية لكيانها الاعتباري؛ قال تعالى: (ولا تفرقوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ...) (سورة الأنفال من الآية: 46). ولذلك فلا عجب أن يكمن التكافل في روح الحكمة من التشريع الرباني لأحد الأركان الرئيسة التي يقوم عليها الإسلام وهي فريضة (الزّكاة) التي تتمثل فيها روعة التّكافل – بمعناه العام - بتخصيص جزء من كسب الشريحة الغنية والمقتدرة فيه لصالح بعض أفراده ممن ألمت بهم الحاجة والعوز نتيجة مرض أو كبر سن ونحو ذلك.
كما يبرز التكافل جلياً – أيضاً – في نظام (العاقلة) الذي يتشارك فيه أفراد مخصوصين تربطهم علاقة الدم والنّسب – كلٌّ بحسب استطاعته – وذلك في تحمل تبعة ما يقع من أحدهم من قتل خطأ؛ حيث توزع الدية على جميع أفراد العاقلة، وتدفع لورثة الميت لجبر الضرر الذي لحقهم جراء موت مورثهم ولضمان الحياة الكريمة لهم.
وتكريساً لهذا المبدأ والأساس المتين امتدح النبي عليه الصلاة والسلام بعض الصحابة - رضي الله عنهم – الذين طبّقوا مبدأ التكافل بشكلٍ تلقائي؛ حيث قال: ( إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عياله عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم)، وثناء النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم راجع إلى ما قام في عملهم من تحقيق معنى التكافل الجماعي بين المسلمين لتخفيف ما يصيبهم من أضرار ومخاطر، وهذا من أروع صور التأمين التكافلي المثالي الفريد في نموذجه.
وعلى هذا الأساس عمل الصحابة الكرام فعن جابر - رضي الله عنه قال: (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلَاثُ مِائَةٍ فَخَرَجْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وفَنِيَ الزَّادُ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ الْجَيْشِ فَجُمِعَ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ فَكَانَ يَقُوتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلٌ قَلِيلٌ)؛ ففعل أبي عبيدة - رضي الله عنه - وهو أمير ذلك الجيش امتداد لهدي النبي - عليه الصلاة السلام - وتفعيلٌ لذلك الأساس التكافلي والتعاوني؛ حيث جمع - رضي الله عنه - اشتراكات القوم ثم قام بتفتيت الضرر عنهم بتلك الاشتراكات لمواجهة الأضرار المحتملة التي قد تلحق بهم جراء فقدهم الطعام.
ومن صور التّعاون والتكافل التي لازالت تقع كثيراً بصورة عملية من المسلمين وغيرهم ما يُسمى في التراث الإسلامي الفقهي ما يُسمى بـ(المناهدة) أو (النهد) ؛ وهو أن يخرج المشتركون نفقة سفرهم – مثلاً - على عددهم ومن ثمّ ينفقون لتغطية ما يحتاجون إليه، ولابتناء هذه المعاملة على أساس التكافل قرر الفقه الإسلامي أنه يُعفى فيها عن يسر الربا والغرر، مما يدل على عظيم موقع التكافل في الإسلام، واهتمامه بتقريره في المجتمع الإسلامي.
لقد أسس الإسلام مفهوم التكافل وفق منظومة رائعة جميلة تضمن الحياة الكريمة لكل فرد من المسلمين وليس هذا على حساب أحد دون أحد فالمتكافل والمتعاون منهم مستفيد في الآخرة لمشاركته في معاونة إخوانه في الدين، وهو عمل صالح إذا احتسب فيه النية الصالحة.